التحول من اضطراب ضغوط ما بعد الصدمة إلى نمو ما بعد الصدمة -2

التحول من اضطراب ضغوط ما بعد الصدمة إلى نمو ما بعد الصدمة -2

2021-01-14

استكمالا لما بدأناه من توضيح الاحتمالات الممكنة للفرد الذي مر بخبرة صادمة سواء كان الاحتمال هو العجز والمرض، أو التعافي والوصول لخط الأساس الطبيعي له، أو النمو والازدهار والتعافي المصحوب بتغيرات إيجابية في الشخصية. نتناول بشكل أكثر تفصيلا مفهوم نمو ما بعد الصدمة وأبعاده التي تتمثل في تفصيل التغيرات الإيجابية التي يمكن أن تحدث بعد الصدمة.

1- مفهوم نمو ما بعد الصدمة:

طرح مفهوم "نمو ما بعد الصدمة" " تيدسكي وكالهون "، ويقصد به أن الصدمات لها جوانب إيجابية رغم جوانب الضغط والمعاناة، وجوانب القوة تمنح الفرد القوة وتؤدي به إلى إحداث تغيرات إيجابية لديه وفي حياته، وترفع من قدرته على الصمود أمام المتاعب التي تواجهه.

ونمو ما بعد الصدمة مفهوم يعكس العمليات النفسية المفيدة للأشخاص الذين يمرون بخبرات صادمة وبمثابة تعبير عن عمليات التغيير في توجهات الحياة والأولويات فضلا عن تحقيق مستوى جديد من المشاعر والوعي الذاتي. وهذه العمليات تبدأ من خلال محاولات التكيف مع ظروف الحياة الصعبة للغاية والتي يمكن أن تنتج مستويات عالية من الضيق النفسي (Alexander & Oesterreich, 2013, 831)

ويعرف "تيدسكي وكالهون" نمو ما بعد الصدمة بأنه خبرة التغير الإيجابي الذي يحدث بوصفه نتيجة الصراع مع التحديات والأزمات الشديدة في الحياة (tedeschi & Calhoun ,2004,1). ويضيف أيضا أنه يقصد به نمو وتطور نفسي إيجابي شامل لجوانب الشخصية.(Tedeschi & Calhoun, 2004, 4)

ويرى سميث Smith أنه تعظيم الفوائد الإيجابية التي تنبع من الحالات السلبية أو الظروف، وخبرات الشخص التي نتجت عن الحدث الصادم أو الأزمات.(2016, 26) وهو أيضا تغير إيجابي مهم طويل المدى (مستدام) في الالتزامات وأهداف الحياة الأساسية (كريستوفر دافيس، وسوزان هوكسيما، 2017، 1031).

ووفقا لكالهون وتيدسكي فإن النمو والتغير الإيجابي يكون قائمًا بالتزامن مع الكرب والمشقة distress، والنمو ينطوي على تطوير الأفراد خارج "المستوى السابق من التكيف، والوظائف النفسية والوعي بالحياة "وتغيير أساسي في الفرد ككل . (Jirek, 2011, 3)

وتكاد تتفق تعريفات الباحثين على أن نمو ما بعد الصدمة هو حدوث تغيرات نفسية إيجابية في حياة الشخص بعد مروره بصدمة أو أحداث ضاغطة ومؤثرة على مجرى حياته، وهذه التغيرات لها جوانب وأبعاد محددة تختلف من باحث لآخر كما سيتضح عند تناول أبعاد نمو ما بعد الصدمة.

ويعرف الباحث نمو ما بعد الصدمة بأنه الوعي بمجموعة التغيرات الإيجابية المتنوعة التي يكتسبها الناجون من الصدمات.

وهذا التعريف يتفق مع تعريفات الباحثين السابقين إلا أنه يضيف كلمة "الوعي"- قبل التغيرات الإيجابية - التي تعني الإدراك والانتباه حيث أنه قد يكون حدث للفرد نموا واقعيا وهو لا ينتبه له فيكون نموا غير مدرك وعندما لا يدرك وينتبه للنمو ربما لا يستفيد منه نفسيا في تحسين جودة حياته ومستوى سعادته. وقد يكون الفرد منتبها لمجموعة التغيرات الإيجابية ويدركها بطريقة أكبر من حقيقتها، فربما يستفيد من هذا الإدراك المبالغ فيه.

2- أبعاد نمو ما بعد الصدمة: Dimensions of (PTG)

تعتبر أبعاد نمو ما بعد الصدمة هي مجموع التغيرات الإيجابية الناتجة عن أحداث وظروف صادمة وفق عدة جوانب أو مكونات محددة بناء على دراسات عاملية والتحقق من خصائص سيكومترية من صدق وثبات.

وحدد جوزيف أن هناك ثلاثة أبعاد واسعة للنمو بعد الصدمة تتمثل في:

  • نمو العلاقات الاجتماعية: ربما يقرر الناس أن علاقاتهم تعززت في بعض الأمور، مثل: تقدير قيمة الأصدقاء والعائلات أكثر، والشعور بمزيد من الرحمة والإيثار تجاه الآخرين، مثل: "لقد تعلمت أن أُقدّر ما لديّ، زوجا محبا، وثلاثة أطفال مع الذين تربطني بهم علاقة دافئة وحميمة"
  • نمو إدراك الذات الإيجابي: يدرك الذين تحقق لهم النمو بعد الصدمة والمعاناة أنفسهم ويقيمونها بطريقة أفضل. على سبيل المثال، يقرر أن لديه قدرا أكبر من المرونة والقوة الشخصية. وأن المكسب ربما زيادة الوعي الذاتي حيث زيادة الشعور العميق الذي يميز بين الحسن والسوء والسعادة والحزن الخ.
  • نمو في فلسفة الحياة: قد يقرروا أن هناك تغييرات إيجابية في فلسفة الحياة، مثل إدراك قيمة وتقدير ومعنى لكل يوم جديد، أو إعادة النظر بشأن ما يهمهم حقا. كأن يقول الفرد: "أنا أستمتع كل يوم على أكمل وجه، وأنا لا أقلق بشأن الأشياء السخيفة بعد الآن، وإذا كان هناك شيء مهم بالنسبة لي، فسأبذل جهدي لنفعل شيئا لتحقيقه. (Joseph, 2009, 337)

وقد تناول تيدسكي وكالهون هذه الأبعاد الثلاثة السابقة أيضا - في دراسة أخرى (Tedeschi & Calhoun, 2006) حيث تضمن بعد التغير في فلسفة الحياة بعدين آخرين وهما (زيادة التقدير للحياة والتغيرات الروحية) وتضمن بعد ادراك الذات (الفرص الجديدة والقوة الشخصية) والبعد الرئيس الثالث ظل كما هو "العلاقات الاجتماعية".

وقد طور (Alexander, Oesterreich, 2013) قائمة لنمو ما بعد الصدمة وكانت أبعادها: تكوين العلاقات مع الآخرين Relationships to Others ، والقوى الشخصية Personal Strengths ، وزيادة تقدير الحياة Appreciation of Life ، والروحانية (التدين) Spirituality/Religiosity ، والفرص الجديدة New Possibilities ، والتفتح Openness، والإنتاجية Generativity .

بينما توصلت نتائج دراسة (Ha.J & Sim, 2016) إلى أن أبعاد نمو ما بعد الصدمة هي: تحسن تقدير الذات Improve self-esteem، وإدارة الضغوط Stress management، والشفاء والتعافي من الصدمة Healing and recovery for trauma، وتحسين العلاقات الشخصية .Improving interpersonal relationships

وكان تيدسكي وكالهون قدما قائمة نمو ما بعد الصدمة متضمنة خمسة أبعاد (Tedeschi & Calhoun, 1996, 455) وتتمثل هذه الأبعاد فيما يلي:

  • تقدير الحياة: الشعور بتحول كبير في كيفية التعامل مع الحياة اليومية وتقدير لحظات الحياة والهدف منها والشعور بأهميتها مع ترتيب الأولويات.
  • العلاقات مع الآخرين: إدراك حدوث تغيرات إيجابية في العلاقات مع الآخرين بتعميق الصلات والتقارب معهم وإدراك أهمية وجود العلاقات الاجتماعية مع من حولنا وتقدير قيمتهم، وحماية الذات من التعرض للإساءة من الآخرين.
  • قوة الشخصية: شعور الفرد بتغيرات إيجابية في إدراك الذات والإحساس بجوانب قوة الشخصية والثقة في الذات وجدارتها وقدرتها على إدارة الضغوط ومواجهتها في المواقف المختلفة والمحتملة مستقبلا.
  • الفرص الجديدة: إدراك الفرد للفرص الجديدة والفوائد المحتملة التي نتجت عن حدوث الصدمة.
  • التغيرات الروحية: حدوث تغير إيجابي في المعتقدات الروحية من خلال زيادة الإحساس بالمعنى والهدف وتعميق الإيمان والقيم الروحية والحفاظ على المعتقدات الروحية.

وقد أظهرت نتائج دراسة Kanako, Cann, Calhoun, and Tedeschi, (2008) التي قارنت بين عدة نماذج لأبعاد قائمة نمو ما بعد الصدمة مثل (Tedeschi & Calhoun, 1996; Ho, Chan, & Ho,2004; Cadell et al., 2003) أن نموذج كالهون وتيدسكي (1996) المعتمد على خمسة أبعاد منفصلة هو الأكثر صدقا وثباتا في بنيته العاملية. ويمتاز بأنه ينظر للنمو اللاحق للصدمة على أنه عملية ونتيجة، رغم أن عملية التكيف وتحديد التغيرات الإيجابية للنمو بعد الصدمة هي عملية طويلة المدى.(Jayawickreme & Blackie, 2014, 314)

المراجع:

  • كريستوفر دافيس، وسوزان هوكسيما (2018). استيعاب الفقد (الخسائر)، وإدراك المكاسب (المنافع) ونمو ما بعد الصدمة. (ترجمة) صفاء الأعسر. في: دليل علم النفس الإيجابي (ج2). (تحرير) شين ج. لوبيز، وس.ر. سنايدر. القاهرة: المركز القومي للترجمة. ص ص 1015: 1033.
  • Alexander, T.& Oesterreich, R. ( 2013). Development and Evaluation of the Posttraumatic Growth Status Inventory. journal of Scientific Research. Vol.4, No.11, 831-844
  • Calhoun, L. G., & Tedeschi, R. G. (2004). The foundations of posttraumatic growth: New considerations. Psychological Inquiry,15(1), 93-102. doi:10.1207/s15327965pli1501_03
  • Jayawickreme.E, Blackie, L. (2014). Post-traumatic Growth as Positive Personality Change: Evidence, Controversies and Future Directions. European Journal of Personality, 28: 312–331.DOI: 10.1002/per.1963
  • Joseph, S. (2009). Growth Following Adversity: Positive Psychological Perspectives on Posttraumatic Stress. Psychological Topics 18 2, 335-344
  • Jirek.S (2011). Posttraumatic Growth in the lives of young adult trauma survivors: relationships with cumulative adversity, narrative reconstruction, and survivor missions. Doctoral theses . University of Michigan
  • Kanako Taku,K, Cann.A, Calhoun.L, and Tedeschi.R (2008). The Factor Structure of the Posttraumatic Growth Inventory: A Comparison of Five Models Using Confirmatory Factor Analysis. Journal of Traumatic Stress, Vol. 21, No. 2, , pp. 158–164
  • Smith, A (2016). Relationships Between Parental Self –Efficacy and Posttraumatic Growth in Mothers of Children with Dowen Syndrome. Doctoral Dissertation. College of Education - University of Kentucky.
  • Tedeschi, R. G & Calhoun, L. G.,(1996). The posttraumatic growth Inventory: Measuring The Positive Legacy of Trauma. Journal of Traumatic Stress, Vol. 9, No. 3, , pp. 455–471
  • Tedeschi, R. G., & Calhoun, L. G. (2004). Posttraumatic growth: Conceptual foundations and empirical evidence. Psychological Inquiry, 15, 1–18.

أخبار شبيهة

There are many variations of passages

في سيكولوجية الحكمة: ادعاء الحكمة بأثر رجعي

في سيكولوجية الحكمة: ادعاء الحكمة بأثر رجعي

2021-01-14

الفلاسفة الرومان أشاروا إلى الحكمة بالفضائل والمهارة والعفة وكان مثال البومة Wol الشعار الشعبي...

أقرأ المزيد
التحول من اضطراب ضغوط ما بعد الصدمة إلى نمو ما بعد الصدمة -3

التحول من اضطراب ضغوط ما بعد الصدمة إلى نمو ما بعد الصدمة -3

2021-01-14

تناول المقال السابق التغيرات الإيجابية المحتملة في حال مرور بعض الأفراد لخبرة صادمة، لكن تفسير...

أقرأ المزيد
التحول من اضطراب ضغوط ما بعد الصدمة إلى نمو ما بعد الصدمة  -1

التحول من اضطراب ضغوط ما بعد الصدمة إلى نمو ما بعد الصدمة -1

2021-01-14

يمكن للأحداث الصادمة أن تحطم العالم الافتراضي للشخص، ويصاحب ذلك كرب انفعالي شديد، مما يجعله مضطرا...

أقرأ المزيد
* وهم التفوق "توهم التميز النوعي" Illusory superiority

* وهم التفوق "توهم التميز النوعي" Illusory superiority

2021-01-14

أ.د. محمد السعيد أبو حلاوة . أستاذ الصحة النفسية المساعد - كلية التربية- جامعة دمنهور . * وهم...

أقرأ المزيد